أقسام المدونة

الأحد، 21 أبريل 2013

كيف تكون البطولة فى نظر عبد الرحمن عز


المصرين شعب يمتلك تاريخ طويل وكبير و لدينا مشكلة -معشر المصريين- أن نسبة كبيرة منا إذا أعجبت بجانب من شخصية إنسان عممته على الشخصية كلها وعجزت أن ترفض أو حتى تنتقد جوانبه الأخرى السلبية.

جرب أن تنتقد تصريحات سياسية للشيخ محمد حسان وستجد من يدافع عنه من منطلق أنه "عالم جليل". عارض الأستاذ إبراهيم عيسى وستسمع من يحدثك عن تاريخه في معارضة مبارك. بل وحتى في تقييم الشخصيات التاريخية تجد من يختصر السادات في حرب أكتوبر1973 فيرفض أي نقد موجّه لسياسة الانفتاح مثلا، أو يلخص عبد الناصر في تأميم القنال فيرفض انتقاد سياسته القمعية، حتى الحجاج الذي صال وجال في دماء المسلمين نجد من يدافعون عنه بغض النظر عن كوارثه، لأنه كان يرعى حركة الفتوحات في آسيا!

هذا بالضبط ما يحدث مؤخرا مع الناشط عبد الرحمن عز، المحبوس على خلفية اتهامه بحرق مقر حزب الوفد..

عبد الرحمن عز كانت تربطني به يوما ما علاقة صداقة -أو لنقل معرفة- يحكمها الاحترام المتبادل، بل وكتبتُ مقالا أدافع فيه عن موقفه عندما رفض أمن أحد نوادي القوات المسلحة السماح للسيدة والدته بالدخول لأنها منتقبة، ولكن تلك العلاقة انهارت بعد ما شاهدته بنفسي في كتاباته من تحريض على العنف، خصوصا قبل مذبحة الاتحادية بيوم، وتشويه سافر للثوار واتهام لهم بالباطل، ولكن لا علاقة لهذا بكلامي القادم حيث أعممه على كل شخص سواء اتفقت أو اختلفت معه.

الآن تزدحم صفحات مؤيدي التيار الديني على فيسبوك بصور عز وعبارة "الحرية للبطل عبد الرحمن عز". لا بأس.. فمن حق كل الناس أن يكون لهم بطلهم، ولكن المستفز في الأمر أنهم يبررون ضرورة الإفراج عنه فقط بأنه كان من أبطال الثورة، وينشرون صورته الشهيرة "شاب يقف وحيدا في الليل أمام صف عريض من الأمن المركزي رافعا بيديه لافتة"، والصورة التُقِطَت من ظهره. لا أحد يتحدث عن مبررات أخرى للمطالبة بتبرءته: لا أخطاء إجراءية ولا أدلة براءة ولا شيء سوى تاريخه.

عفوا.. ولكن من قال إن البطولة تعفي صاحبها من المساءلة والمثول أمام جهات التحقيق؟ لماذا لا نرتقي بتفكيرنا لمستوى النضج الكافي لنقول "فلان بطل ولكن لا أحد فوق القانون"؟ فإن تقدم أحد ببلاغ ضده وجبت معاملته كغيره من المواطنين.

ويا أهل الدين والتدين.. يا من تروجون أنكم تحملون لنا الإسلام.. راجعوا تراث ديننا وسيرة نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال: "لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها"، لاحظ أنه لم يقل: "بنت رسول الله" ولا "ابنتي"، بل قال: "بنت محمد" ليؤكد أن الكل -حتى هو وآل بيته الكرام- سواسية أمام القانون، لاحظ كذلك أنه يتحدث عن دُرة آل البيت المهاجرة المجاهدة الصابرة التي سماها المسلمون "أم النبي" لعطفها عليه بعد وفاة أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها، ومع ذلك فقد قالها صريحة "لقطع محمد يدها"، بغض النظر عن تاريخها العظيم في خدمة الإسلام والمسلمين..

وحتى شفاعته صلى الله عليه وسلم في الصحابي الجليل حاطب بن أبي بلتعة حين أبلغ كفار قريش بنية المسلمين فتح مكة، حين قال "لعل الله قد اطّلع على أهل بدر فقال افعلوا ما شئتم فقد غفرت لكم"، فإنها ليست مما يمكن القياس عليه لأنها صادرة لأناس معينين في ظروف معينة من نبي لا ينطق عن الهوى، ولا يمكن تعميمها على كل بطل في كل مناسبة. المبدأ إذن مساواة الجميع -أبطال وخاملين- أمام القانون وضوابط المجتمع بشكل عام.

وربما قال لي البعض: "ولكنكم تدافعون بالمثل عن الناشط حسن مصطفى، فلماذا تنكرون على من يحبون عبد الرحمن عز أن يدافعوا عنه؟"، أولا أنا لا أنكر على أحد الدفاع عن أحد ولكني أنكر منطلق الدفاع. ثانيا فإن وضع المناضل حسن مصطفى يختلف، فيمَ؟ في أنه أولا لم يُقبَض عليه بشكل قانوني بناء على بلاغ أو حالة تلبس، بل تم اختطافه بشكل غير قانوني -وهذه واقعة شهدتها بعينيّ- من قِبَل قوات الأمن المركزي من أمام مكتب المحامي العام داخل مجمع المحاكم، فضلا عن وجود خصومة سياسية بينه وبين المدعي عليه، وأن نفس المدعين هم من ينظرون القضية -بالمخالفة للقواعد القضائية- فضلا عن أن ظروف حبسه مخالفة لما ينص عليه القانون -حيث إنه محبوس مع الخطرين على الأمن العام وقبلها كان في عنبر الإعدام- وأنه خلال أول مرحلة من المحاكمة لم يستوفِ حقه في الدفاع عن نفسه، والمدافعون عنه والمطالبون له بالحرية يتحدثون من هذا المنطلق.

أما عبد الرحمن عز فقد تم القبض عليه بشكل قانوني، فضلا عن أن التحقيق في ما هو منسوب إليه يتم بناء على قرائن واضحة من تكرار تحريضه على ممارسة العنف ضد المعارضين، وزيارة واحدة لصفحته على Twitter -خصوصا ليلة مذبحة الاتحادية- تؤكد ذلك.. مما يعني أن لدى جهات التحقيق مبررات منطقية لاتهامه، ولنا كمتابعين للأمر مبرراتنا للاقتناع بمنطقية هذا التحقيق، على الأقل لحين أن تقرر المحكمة صحة التهمة/التهم المنسوبة إليه أو غير ذلك.. هل لأحد في هذه الحالة أن يقول "لا تحققوا معه فهو أحد أبطال الثورة"؟!

أخيرا.. مع احترامي للجميع، ولكن "أبطال الثورة" -وهم في رأيي كل من شاركوا فيها سواء كانوا معروفين أم مجهولين- مارسوا تلك البطولة لعدة أهداف، أهمها: المساواة- دولة القانون- العدالة.. ولهذا فإن نفس الأبطال ملزمون أن يطبقوا على أنفسهم ما طالبوا به ليثبتوا لأنفسهم وللجميع صدقهم..

أما أن نخرج مع أبطالنا ورموزنا للمطالبة بالمبادئ الراقية العادلة، ثم حين نجد أنفسنا أو من نحب ونتحرم ملزمون بالخضوع لتلك المبادئ نرفض ونعترض، فإننا هنا نصبح كمن يأمرون بالبر وينسون أنفسهم، وهي الشعرة الرقيقة الفاصلة بين المطالبة بالحق.. والنفاق!