أقسام المدونة

الأحد، 21 أبريل 2013

كيف تكون المعارضة الصحيحة


المعارضة شئ اصيل فى اى دولة واى مجتمع ولكن السؤال ما هي المعارضة؟ وما هي قيمها وأخلاقها التي يتبعها هؤلاء ممن يطلقون على أنفسهم معارضين، وما هي حدود المعارضة وأبعادها؟ كل هذه الأسئلة وغيرها دارت في ذهني أثناء حضوري أحد المؤتمرات الذي عُقد في إحدى الدول الأجنبية؛ للحديث ومناقشة الأوضاع الحالية في دول الربيع العربي وطرح الاستفادة من عدد من الخبرات كالخبرة التركية وغيرها في التعامل مع ثورات الربيع العربي.

ما أحزنني أن كثيراً ممن يطلقون على أنفسهم "معارضين" وطنيين يحبون بلادهم"، ويصنِّفون أنفسهم على أنهم "إسلاميون تقدميون" يستغلون مثل هذه المؤتمرات، وكأنها فرصة للهجوم وفقط الهجوم على الأنظمة الحاكمة، دون أي موضوعية في التناول أو التعاطي مع الواقع الحالي في دولنا العربية، والأخذ في الاعتبار الصورة التي نعرضها للآخرين عن عالمنا ومجتمعنا.

في البداية لا يمكننا أن ننكر أن لدينا الكثير والكثير من المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من المشكلات، وأن حق انتقاد منْ هم في الحكم هو حق أصيل ليس فقط للسياسيين بل لكل مواطن؛ لأن النقد كما أعرفه هو وسيلة للتعرف على المشكلات ووسيلة لبحث الحلول لهذه المشكلات ولا شائبة في هذا على الإطلاق.

ولكن المحزن أن يتحول النقد للنظام الحاكم -وأنا لا أدافع عنه وعن أخطائه المتعددة- إلى هجوم غير مبرر وغير موضوعي، وكأن هناك خلافات شخصية بين هؤلاء ممن يعتلون منصات الحديث خارج الحدود ليعبروا عن واقع مجتمعاتهم وأوضاعها، وبين النظام الحاكم، وفي الحقيقة بعض منهم يكونون بعيدين كل البعد عن مجتمعاتهم ولا يمثلونها ولا يمثلون قيمها وأخلاقها وعقيدتها.

قبل هذا المقال أعتقد أن من يتابع ما أكتب سيجدني أنتقد بكل قوة "سياسات" أراها بنظري سياسيات خاطئة يتبعها النظام الحاكم، وكل مرة أكتب فيها أؤكد على الفرق بين النقد الموضوعي الهادف الذي يكشف الواقع وسلبياته ولا يهرب منه، محاولا إيجاد الحلول لها، وبين النقد من أجل النقد أو المعارضة من أجل المعارضة؛ لأنها في هذه الحالة ستكون المعارضة أو النقد للنظام الحاكم لا تهدف إلى شيء فقط التشفي من النظام وتشويه صورة بلادنا أمام الآخرين، بل ونقل صور خاطئة عن مجتمعاتنا وقيمنا وأخلاقنا للآخرين الذين هم على استعداد فطري لاتهامنا بالتخلّف والرجعية.

وهل لي أن أسأل هؤلاء ممن تتعالى أصواتهم من أجل نيل إعجاب وتصفيق الجمهور، هل يعارضون فقط لينالوا هذا النوع من التقدير؟ أم إن المعارضة لديهم ذات هدف نبيل يخدم المجتمع؟ كنت أتمنى عندما أذهب إلى بلاد متقدمة صناعيا وسياسيا واقتصاديا، أن أتباهى ببلدي ومجتمعي، وأفتخر بما أنجزته بلدي وحكوماته في مجالات الصناعة والزراعة والتقدم والخدمات والديمقراطية.

ولكن لا أستطيع أن أفعل ذلك؛ لأنه غير حقيقي؛ فنحن نواجه مشكلات حقيقية في مجتمعاتنا، ولا يجب التهرُّب منها ومن هنا يأتي دور المعارضين الحقيقيين والمعارضة الفعالة في كشف ما في مجتمعاتنا من سلبيات، وليس فقط الكشف والحديث عن هذه المشكلات، ولكن أيضا تقديم حلول لها، وانتقاد النظام على عدم حل هذه المشكلات أو حتى البدء في حلها.

لكن غير المقبول من المعارضة أن يصعدوا "منصات الكلام"، ويبدأون اتهام هذا واتهام ذاك والحديث بشكل غير لائق عن الحاكم وعن جماعته، بشكل لا يحمل في طياته أي مضمون أو أي محتوى.

نحن ننتقد الإخوان والرئيس مرسي في أشياء كثيرة؛ لأنهم أخطئوا، وأعتقد أنهم لا يزالون يخطئون في كثير من السياسات والقرارات التي تُتخذ والتي اتخذت في الفترة السابقة، ولكن هذا لا يعطي أحدا الحق في التهكم على رئيس البلاد؛ لأنه في النهاية رمز للبلاد.

يمكنك السخرية من الأوضاع والحديث عن أخطاء الرئيس وجماعته والتهكم على تلك الأخطاء، التي ما كانت يجب أن تحدث من رئيس الدولة، ولكن لا يمكنك اتهامه دون سبب أو دون داعٍ موضوعي.

والأمر يتطور مع هذا النوع من معارضي "الخواء" أو من يعارضون من أجل المعارضة للسخرية من قيم مترسّخة لدى مجتمعنا، ولأنهم يعلمون أنهم يتحدثون لكثيرين من جنسيات مختلفة وغير مصريين، ولا يعرفون الواقع في مصر ولا قيم هذا البلد ومعتقداته، فيتطور معهم الأمر لانتقاد الدين وكثير من العادات المترسخة في مجتمعنا وانتقادها بجانب انتقاد النظام بأكمله، وفي الحقيقة هم لا يملكون شيئا إلا الكلام والبحث عن نظرات إعجاب زائفة في نظر عشرات من الأجانب.

المعارضة بنظري هي قيمة إسلامية أصيلة تتمثل في أن الإسلام أرسى مبدأ "كلمة حق في وجه سلطان جائر"، ولكن ما هي شروط المعارضة، فهي أن تكون في النهاية كلمة حق وليس افتراء، أو الحديث عن أشياء غير حقيقية وتزييف الواقع.

إن بلادنا الآن في أمسّ حاجة إلى المعارضة الحقيقية، المعارضة الفعالة؛ لأنه دون المعارضة سيتحول النظام شئنا أم أبينا إلى نظام سلطوي استبدادي لن يجد من يقف في وجه أخطائه، ولكن عدم وجود المعارضة الحقيقية، ووجود المعارضة الخاوية هذه سيزيد أيضا من استبداد النظام؛ لأن الناس لن يجدوا معارضا حقيقيا أو معارضين حقيقيين يستطيعون الالتفاف حولهم.

ما أتمناه في النهاية هو أن تلتزم المعارضة بقيم المعارضة وأخلاقها، وألا يستغل هؤلاء "المعارضة" من أجل تشويه صورة النظام، حتى وإن كنت أختلف مع هذا النظام في كثير من الأمور، إلا أننا في النهاية لا نستطيع الحديث إلا عن واقع وسياسيات، وأن نتحدث بموضوعية، وألا يتحول الأمر إلى عداء شخصي بين هذا الفريق وذاك؛ لأن ذلك الصراع سيكون المتضرر الوحيد منه هو المجتمع الذي ستتكاثر عليه المشكلات دون أن يجد نظاما يجد الحلول لهذه المشكلات، ودون أن يجد معارضة تعكس تطلعاته وتعبر عن مصالحه.